مقدمة
في هذا الجو من الخطب النارية اللاهبة، في هذا الجو السياسي والإعلامي العاصف والضاغط هل من فسحة حب وسلام، هل من رجاء يدفعنا الى الدفء بالركون الى موقدة السلام نتدفى عليها ونجتمع حولها لنبقي فسحة أمل لأيامنا الآتية؟
عصا قايين
السؤال المطروح أمامنا هو هل ان عصا قايين ستبقى مرفوعة أبداً على رأس أخيه هابيل تشجه بعدائية وتؤسس لهذا العالم من «الذئبية» والعدائية والشراسة والموت فتجعل «الآخر جحيماً» فإمّا أن يقضي علّي وإمّا أنا أقضي عليه، لأحيا وأكون. فكيف يكون سلام وهذه الجدلية قائمة بين وجودي المرتكز على وجود الآخرين، أو على إلغاء الآخرين، هي الجدلية ترفض «سلامية» الحياة وحبها وتؤسس على عدائية الموت وجعله يدفعنا لنهش بعضنا بعضاً.
الإنسان ذئب للإنسان
هل إن الإنسان كما قال هوبس Hobes ذئب لأخيه الإنسان، فإمّا أن ينهشه وإمّا أن يموت هو نهشاً وتمزقاً؟ هل حقاً ان العالم قائم على «الذئبية» وليس على الأخوّة والمحبة؟ فمن أين يأتي السلام؟ لا مكان هنا للرحمة ولا للشفقة؟ إنها القساوة المتوحشة. فالناس ذئاب ضارية تنهش بعضها بعضاً، وتفني بعضها بعضاً. السلام هنا هو سلام الأموات وتدمير وافناء الآخر وإلغاء أو إعدام وجوده ومحوه من الكيان فأبقى أنا وحدي. فسلامي هو سلام موت الآخرين العائشين في المقابر.
الإنسان رغبة قتل
هل بالحقيقة ان الإنسان وجدان ورغبة وشهوة عميقة جارفة لقتل الآخر كما يقول هجل؟ فكيف يكون سلام ونحن وجدانات تتصارع وفي قعرها لهيب نار لحرق هذا الآخر وجعله رماداً تزريه الرياح؟ ولا يحمل أي رجاء بسلامية التاريخ بل تنبع من جدلية طحن الآخر وإلغائه وإفنائه في عاصفة عنفية توسع لوجودي بموت الآخرين؟ ماذا أعمل حين يدمر معناي «بالتشّيء» كما يقول سارتر أي انني أصبح شيئاً وليس شخصاً آخر، يأخذ معناه من تبادل الوجدان الذي يتم بيني وبينه باللقاء والمشاركة في حضور تبادل وجدانات تجعل الكون حضور حب وسلام.
الكنيسة في عالم اليوم
تجاه هذا التفكير المبني على النقض والكسر يأتي موقف الكنيسة في الوثيقة المجمعية الفاتيكانية الكنيسة في عالم اليوم، القسم الثاني ليقول انه لبناء السلام ينبغي عقل راجح وقلب محب وكيان قابل لوجود الآخر المفترق.
الثقافة السلامية
التربية على الثقافة السلامية تقوم على التربية على كرامة الإنسان الشخصية وهي جواب لنداءات الروح على ان كل انسان هو صورة الله والخطيئة الكبرى هي خطيئة الإساءة إلى هذا الكائن الإلهي الخلق، والحياة، والدعوة إلى هذا «الرزق» الإلهي، الكرم الإلهي، وليس الى رزق الدنيا وعالم الفناء. (نشيد مار بولس عن المحبة).
التأسيس على الضمير والحرية
هذه التربية السلامية تتأسس على عظمة الحرية والمسؤولية والضمير وعلى سمو العقل في الحكمة والحقيقة وخاصة على بناء الإنسان الجديد المرتبط بالله وبأخيه الإنسان في مجتمعه البشري وفي مصيره الإلهي. ويبقى ان الهدف الكبير في هذا المسار هو الخير العام.
والتربية على تشجيع وتفضيل الخير العام على الخير الخاص والمنفعة الذاتية الضارية من هنا علينا احترام الإصغاء أي كسر «العدائية» الذاتية وترويضها ولجمها بقبول حق المساواة الجوهرية بين كل الناس، وبإشاعة العدالة الإجتماعية وخاصة تجاه الفقراء، والمهمّشين والغرباء والمعزولين والعجزة والمعاقين والضعفاء والمساكين.
السلام مسؤولية مشتركة
التأسيس على الضمير والحرية
هذه التربية السلامية تتأسس على عظمة الحرية والمسؤولية والضمير وعلى سمو العقل في الحكمة والحقيقة وخاصة على بناء الإنسان الجديد المرتبط بالله وبأخيه الإنسان في مجتمعه البشري وفي مصيره الإلهي. ويبقى ان الهدف الكبير في هذا المسار هو الخير العام.
والتربية على تشجيع وتفضيل الخير العام على الخير الخاص والمنفعة الذاتية الضارية من هنا علينا احترام الإصغاء أي كسر «العدائية» الذاتية وترويضها ولجمها بقبول حق المساواة الجوهرية بين كل الناس، وبإشاعة العدالة الإجتماعية وخاصة تجاه الفقراء، والمهمّشين والغرباء والمعزولين والعجزة والمعاقين والضعفاء والمساكين.
السلام مسؤولية مشتركة
فالسلام هو مسؤولية وإشراك ومشاركة وتجاوز الذات والأنا الفردية إلى «النحن»، في وليمة Agape المحبة والأخوّة واقتسام لأرزاق الدنيا وخيراتها ولعواطف الحب والشفقة والرقة والفرح الإجتماعي كي لا تفسد الخطيئة سر السماء الجديدة والملكوت الجديد الذي يجب أن يكون لنا في فصحنا الجديد.
الإعتراف بالآخر طريق السلام
هذه الثققافة هي طريق حياة جديدة لإنسان متطور خرج من «البربريات الحديثة» إلى الإعتراف بحق الآخر بالإعتراف والمشاركة والحفاظ على هويته وتراثه وحريته. من هنا علينا أن نناغم بين إنجيل المسيح والثقافة القائمة على المحبة حتى محبة الأعداء والمغفرة الدائمة وإلاّ لم يقبل قرباننا.
السلام مع الفقر الروحي
تثقيف الإنسان تثقيفاً كاملاً وتحقيق تناغم بين مختلف القيم الثقافية والقبول بأنه لا سلام إلاّ مع الفقر الروحي والذاتي والإجتماعي. من هنا علينا إنماء الشخص البشري كل الشخص البشري وإنماء الإقتصاد ووضعه في خدمة الإنسان وكسر الفروقات الإقتصادية الهائلة المتوحشة، واقتسام خيرات الأرض صوناً للسلام ولبناء جماعة يقوم جوهر نظامها على إبعاد شبح الصراعات والنزاعات والحروب. بالتعاون بين الدول والأفراد والجماعات وإرساء قواعد للحوار وتحريم السباق إلى التسلح ونظرية الحرب الإستباقية وليس حق الحرب الدفاعية. السلام العام الحقيقي يقوم على حياة مشتركة ترتكز على العدل وعلى الأخلاق العامة. العدل والسلام ينبعان من أمانة الإنسان نحو الله ونحو ارادته ومن رقيه الروحي بالصلاة والإيمان في شركة المحبة.
ليس السلام توازن للقوى
ليس السلام توازن القوى وعدم وجود الحرب فحسب، إنما هو ثمرة نظام رسمه الله في المجتمع البشري ينبع من محبة القريب وهو صورة سلام المسيح ونتيجته ذلك المسيح الذي صالح البشر أجمعين وأعاد الوحدة بين الشعوب وأقام الأخوّة بين الناس دون فرق في الجنس والعرق واللون والمعتقد. هذه هي شرعة حقوق الإنسان.
السلام هو ترويض الرغبات والشهوات
السلام يبنى على أن نشترك معاً في بناء عالم يرتكز على محبة كبيرة بين البشر وبإبعاد أسباب التفرقة بين الناس: عدم مساواة صاخبة على الصعيد الإقتصادي، روح السيطرة واحتقار الأشخاص، الحسد، انعدام الثقة، كبرياء، أنانية، عدم التوازن الإجتماعي والإقتصادي، عدم المساواة، الظلم، مراقبة الشهوات، احترام ممتلكات الأشخاص، احترام الآخرين، بناء الأخوّة، الثقة المتبادلة بين الأشخاص والجماعات والشعوب، الزهد، تغيير العقلية ونذوات القلب والرغبات ومعالجة حاجات الناس وبؤسهم، مساندة التكاتف بين الناس، خلق انسان مسالم، التربية في الأذهان والمشاعر على السلام، والتبادل الأخوي في روح من الزهد والتواضع والتراحم والخشوع. أي تغيير طرق التفكير والشعور والسلوك والكلام خاصة في وسائل الإعلام والتعاطي مع الرأي العام.
السلام هو سلام المسيح
المسيح أصل السلام وهو يعلمنا بموته على الصليب أن نحمل صليبنا لتوطيد العدل والسلام. هو الذي صالح الكل بموته وصلبه وجمع العلو والعمق فاتحاً يديه ومائتاً فادياً لأجل البشرية جمعاء. مات لأجل الآخرين ولم يدفع بالآخرين للموت من أجله.
خاتمة
ملكوت الله هو ملكوت عدل وسلام، والإنجيل هو خميرة أخوّة ووحدة وسلام. والسلام ينبع من حب القريب. والإنجيل هو إنجيل السلام والعدل والمحبة والمغفرة والفرح. علينا وضع حد نهائي لقساوة الحرب بين الناس وبين الجماعات والأفراد، لذا علينا أن نتكاتف لبناء انسان وعالم يسود عليهما العدل والسلام والمحبة. علينا أن نكون بناة سلام وصانعي سلام في ذاتنا وفي العالم. هذه هي دعوتنا وهذا هو رجاؤنا. شخصنا يحمل لطف الروح ورقة النعمة ورهافة الوجود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق